" الحماية الجزائية ضد جرائم الجراحات التجميلية"
قبل تناول تفصيلات العنوان ينبغي التعريف أولاً بمفهوم عمليات التجميل كون عمليات التجميل هي فن من الفنون الطبية يعالج بطريق الإستئصال أو الإصلاح أو الزراعة وغيرها من الطرق التي تعتمد جميعها على الجرح والشق والخياطة وقد لا يعتمد التجميل على الجراحة ذاتها ويكتفي بحقن على سبيل المثال إلا أن ذلك الحقن يكون أيضاً لأغراض تجميلية .
ويتبين من ذلك أن التجميل هو تعديل أو تغيير بعض الأجزاء أو الملامح في الجسم وعلى ذلك فإن الحالات التي ينتج فيها عن ذلك التعديل أو التصحيح نتيجة عكسية تؤدي إلى تشويه أو عيوب فهنا تقوم المسئولية الجزائية ضد الطبيب ونرى بعض التشريعات كالقانون السعودي الذي يوجب القصاص في حال كان العيب أو التشويه عن عمد وإرادة ، أما إن كان الفعل عن غير عمد فلا عقوبة على فعل بغير إرادة كما هو حال معظم التشريعات ، إلا أن محور ما نتناوله هنا هو الجراحات أو الأعمال التجميلية التي قد تؤدي إلى تشوه أو عيب معاكس للغاية التي تمت من أجلها الجراحة وهنا يثور التساؤل ؛ هل تتم محاسبة الطبيب دون النظر لأي إعتبارات أخرى؟ ، ونحن نرى أنه يتعين النظر في كل حالة وفقاً للحالة الصحية لراغب أو راغبة الجراحة ومدى مسئولية الطبيب عن الخطأ وتلك الإعتبارات بالطبع تتباين من حالة إلى أخرى وما إن كان الخطأ مهني جسيم أو خطأ وارد أو ليس من قبيل الأخطاء المهنية من الأساس غير أن
الحقيقة المفترضة هي عدم مساواة الأخطاء الطبية في عمليات التجميل بغيرها من الأخطاء الطبية في المجالات التقليدية، ذلك أن أخطاء الطبيب في جراحات التجميل، خصوصاً التي لا صلة لهـا بالعـلاج، تندرج تحت عنوان الترف والرغبة في كماليات الجمال بل نود ان نشير إلى أن بعض المحاكم قد إستقرت في أحكامها في قضايا المسئولية الطبية إلى أن إقرار الموافقة الذي يأخذه طبيب عمليات التجميل من مريضه لا يعفيه من المسؤولية حتى ولو كان إقرار المريض يتضمن معرفته بمضاعفات العملية التي يعتزم الخضوع لها، من جهة أخرى فنحن نرى وجوب موازنة طبيب التجميل بين مخاطر العملية والنتيجة المرجوة منها كون الهدف من وراء اللجوء لطبيب التجميل يكمن في إضافة مسحة من الجمال بحيث يستدعي بالطبيب إذا تبين له رجحان كفة المخاطر فقد وجب عليه الامتناع عن إجراء العملية وأن ينصح طالبها بأن يصرف النظر عنها لعدم جدواها أو إحتمالية خطرها عليه كون الطبيب ملزم في حال عدم وجود مخاطر للعملية بإخطار طالب العملية بشكل صريح بكل أبعادها التي قد تتسبب بها، ووجود احتمالية حصوله على نتائج على نحو لا يرضيه وذلك لإتاحة الخيار أمامه بإجرائها من عدمه
وبالنظر إلى النصوص والتشريعات ونحن نؤيدها في أنه تنتفي مسئولية الطبيب نهائياً في حالة قبول الشخص بإجراء العملية رغم إعلامه وإفهامه باحتمالية عدم تحقيق النتيجة المرغوبة والتزم الجراح عند إجراء العملية بالقواعد التقنية والعملية لفن الجراحة وبذل العناية القصوى للمحافظة على الحالة ، وأخيراً نقترح سن تشريع يفرض التأمين الإجباري عن المسؤولية الطبية يلزم المستشفيات والعيادات والأطباء المرخصين بالتأمين على أخطائهم ومسؤولياتها في مواجهة المريض ، وبشكل عام فإننا ننصح الجميع بعدم التفكير في إجراء أي جراحة للجسم إلا لأغراض علاجية أو لضرورة قصوى وعدم التساهل في إجراء تلك الجراحات التي قد يكون لها مخاطر أو تأثيرات أو أعراض جانبية منها المستقبلي ومنها ماهو الحال وظاهر الأثر وقتياً ، ونسأل الله العافية والسلامة للجميع.
أقرأ ” الحماية الجزائية ضد جرائم الجراحات التجميلية – الجزء الثاني “
بقلم المحامي
د.محمد جاويش